الثلاثاء، 13 مايو 2008

قضية مركز ابن خلدون

المسكوت عنهم في قضية سعد الدين ابراهيم
خالد فياض*

علي مدي خمسة وعشرين شهرا تحديدا منذ القبض علي د.سعد الدين ابراهيم في 30 يونية 2000 وحتي تاريخ ثاني حكم يصدر ضده هو وزملاؤه ال27في 28-يوليو-2002 والاقلام لم تكف عن متابعة كل كبيرة وصغيرة تصدر عن او من د. سعد وهي اما ناقلة لما يقول او محللة له ، الا ان الامر البالغ الغرابة ، انه رغم المياه الكثيرة التي جرت تحت وبين جدران هذه القضية لم يحدث ولو لمرة واحدة اية اشارة جادة الي ال 27 متهم الاخرين ، فرغم الايمان الكامل بالحيثية التي يتمتع بها د. سعد الدين ابراهيم ، وهي عن جدارة واستحقاق ، الا ان السكوت الكامل عن هؤلاء الشباب الذين تتراوح اعمارهم من عشرين الي ثلاثين عاما يعد امرا بالغ الخطورة خاصة ونحن نتكلم عن فئة من الشباب تنتمي الي حقبة جيلية واحدة ، المساس بها يؤثر تاثيرا ملحوظا علي فاعلية قضية المجتمع المدني في مصر خصوصا والعالم العربي عموما، وذلك لان هذه الفئة هي التي تتحمل الجزء الاكبر من مسئولية التبشير باهمية المجتمع المدني كطريق مستنير ورشيد نحو الخروج من الازمات البتيوية الحادة التي يتعرض لها عالمنا العربي في الوقت الحالي وعلي مدي ما يزيد من خمسين عاما ،بل وتساهم ايضا في تاسيسه وممارسته لدوره الذي من اجله وجد، لذا فان هذه المقالة سوف تخصص للحديث عن هؤلاء المسكوت عنهم والذين هم في الحقيقة القاعدة التي من خلالها نستطيع ان نؤسس مجتمعا مستنيرا لاجيال قادمة وليس لجيل او جيلين قادمين .
ان نظرة تحليلية سريعة لهؤلاء الشباب نستطيع ان نخرج منها ببعض الاستنتاجات اهمها:
علي المستوي العمري :باستثناء المديرة المالية لمركز ابن خلدون وهي سيدة يبلغ عمرها حوالي الخمسون ربيعا ، فان كل الشباب الذين ادينوا في هذه القضية تتراوح اعمارهم من 20 : 30 عاما وبالتالي فان قدرتهم علي الانجاز في الميدان كانت ذات تاثير بالغ فهذه الفئة العمرية عادة ما تكون مرتبطة بقضية معينة سواء كانت مادية (السعي مثلا لتكوين اسرة والاستقرار فيها او محاولة خلق اطار مستقل عن الاسرة الام في مرحلة ما بعد التخرج وبالتالي فان هذا البعد قد يدفعها الي مزيد من العمل المنجز لتحقيق اهدافهم )، واذا اضفنا الي هذه القضية الجانب الوطني والذي عادة ما يكون متاجج في هذه المرحلة من العمر خاصة اذا ارتبط النشاط محل الاتهام بعمل قد يكون بالنسبة للكثيريين من المناطق الحمراء المحظور الاقتراب منها (توعية التاخبين بضرورة المشاركة في الانتخابات والحرص علي اختيار الاصلح )فان امرا مثل هذا بالنسبة لفئة عمرية بهذا الشكل قد يكون اكثر جاذبية للاقتراب منه وبالتالي التعامل معه بقدر كبير من الحماسة والتي قد تكون احيانا غير محسوبة خاصة اذا اصيب هؤلاء الشباب بمرض العجز عن التمييز بين الالوان خاصة الاحمر والاخضر اثناء عملهم في هذا النوع من الانشطة ، وهو نفس المرض الذي اصيب به رئيس مركز ابن خلدون في تعامله مع قضية الديمقراطية والمجتمع المدني في مصر والعالم العربي،وذلك كما عبر عن ذلك في حديثه امام هيئة المحكمة .اننا لا نستطيع ان ننكر ابدا ان هؤلاء الشباب قد دفعتهم حماستهم الزائدة الي ارتكاب بعض الاخطاء غير المحسوبة والتي كان من الممكن مؤاخذتهم عليها من جانب القائمين علي المشروع في مركز ابن خلدون اذا ثبت صحتها بالفعل الا ان الامر لا ينبغي ان يزيد عن ذلك ويتطور بالشكل الدراماتيكي الذي تابعناه امام محاكم امن الدولة .
علي المستوي التعليمي: تلاحظ ان معظم المتهمين ال27 ينتمون الي مستويات تعليمية جامعية مختلفة وان كان يوجد بينهم مؤهلات متوسطة وطلاب ما زالوا في مراحل التعليم الجامعي ، فعلي سبيل المثال ، كان بين هؤلاء ثلاث من خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، وواحد خريج كلية اعلام ، واخر من كلية حقوق ، واثنان من كلية تجارة ، واثنان خريجي معاهد ازهرية ، كما ان هناك ثلاث طلبة ، احدهم طالب في كلية اداب ، وفتاتان طلبه في معهد ازهري ، اما المؤهلات المتوسطة فكانت عبارة عن خمسة شباب حاصلين علي شهادة دبلوم التجارة ، وان كان منهم من يحاول ان يكمل مشواره التعليمي اثناء عمله من خلال ما يطلق عليه في مصر التعليم المفتوح ، وان كان لنا من ملاحظة علي هذه التركيبة فان الشباب في هذه القضية كانوا ينتمون لما يطلق عليه في مصر كليات القمة وبالتالي فانهم لم يكونوا في حاجة ابدا الي القيام بالاعمال التي ادعي قيامهم بها ، كما ان قدرة امثال هؤلاء علي الانجاز تكون كبيرة لما وضعوه لانفسهم من اساس نظري للعمل كان من السهوله صقله من خلال العمل في مركز ابن خلدون وخاصة في مشروع بهذه الحساسية السياسية العالية مثل مشروع التوعية السياسية ، لان العمل الميداني غالبا ما يحتاج الي شخصيات مدربه علي العمل العام تستطيع ان تحقق الانجاز من خلال العمل بين الجماهير التي قد تنقلب علي الرسالة التي يحاول ان يوصلها هؤلاء الشباب اذا كان هؤلاء الاخيرين غير قادرين علي صياغة الرسالة بالشكل الواضح الذي يبرز ايجابياتها ويهمش من سلبياتها دون الدخول في المناطق ذات الحساسية العالية مثل الدين او المراة او بمعني ادق التعمق فيها دونما ان يكون الموضوع الذي اتوا من اجله في حاجه الي ذلك .وبالتالي فان المستويات التعليمية التي ينتمي اليها هؤلاء قد اهلتهم للتعامل الدقيق والمؤثر في قطاعات عريضة في الدوائر الانتخابية التي عملوا بها .
المستوي الديني : رغم حساسية هذا المستوى الا ان بروزه في هذه القضية بشكل واضح قد دفع الباحث الي ضرورة طرحه خاصة اذا علمنا ان احد الاتهامات التي وجهت الي الدكتور سعد الدين ابراهيم في هذه القضية هي اشاعة بيانات كاذبة ومعلومات مضللة عن اضطهاد الاقباط وتزوير الانتخابات مما يمس هيبة البلاد في الخارج ، وهنا بيت القصيد ، ودون الالتفات الي جدية هذا الاتهام من عدمه ، فاننا في هذا الجزء نضع خطوطا تدعو الي الي القلق علي اولي مبادئ العدل وهي المساواة ، فقد كانت الدولة في ادارتها لهذه القضية تحاول ان تثبت انه ليس هناك أي اضطهاد ديني للاقباط في مصر ، وانا اتفق معها في ذلك ، الا انه اثناء اثباتها لذلك قد جعلت من الاقباط ذوي وضع خاص ومعاملة خاصة ، وكان ذلك بالطبع علي حساب اخوانهم المسلمين ، فرغم اتفاقنا مع ما تذهب اليه ادبيات العلوم الاجتماعية من رغبة للاقليات عموما في الابتعاد عن العمل العام التصادمي مع الدولة ومحاولتهم دائما العمل من خلال اطر هادئة تستطيع من خلالها الثاثير المحدود ،بل انها لن تكون مستنفرة اذ لم يحدث تاثير اصلا، علي مؤسسات الدولة ، ورغم ان الاقباط في مركز ابن خلدون لم يكن لهم هذا الدور التصادمي مع الدولة بل بالعكس كانوا غالبا همزة الوصل الملطفة للعلاقة مع الدولة اذا حدث تسخين لهذه العلاقة من طرفي مركز ابن خلدون او الدولة ، الا ان استبعاد سلطات التحقيق لهم كان من الواضح ان به قدر كبير من التعمد ، حاولوا اقناع المتهمين الاخرين به لكن دون جدوي ، ورغم ايمان معظم المتهمين بان ما فعلوه هم او اخوانهم الاقباط يخلوا تماما من أي مخالفة قد تصل الي مرتبة الجريمة ، فان استبعاد الاقباط من القضية بشكل كامل قد وضع في مداركهم حجم العشوائية في توجيه الاتهام ومحاولة استبعاد اطراف معينة لا لشئ الا رغبة سياسية في عدم اثارة فئات معينة للوقوف بجانب ابناء ملتهم ، وبالتالي الوقوف بجانب الخلدونيين عموما ، الامر الذي قد يفسر بانها نوع من التصديق علي صحة ما ذهب اليه سعد الدين ابراهيم من وجود مشاكل للاقباط في مصر تبخسهم بعض حقوقهم كمواطنين مصريين، ان قواعد العدل لا تجزا ، وان المساواة في الظلم هو نوع اخر من العدل ، واستبعاد الاقباط المتعمد من هذه القضية كان نوعا من المحاباة غبر المنصفة او العادلة علي حساب اخوانهم المسلمين ،ومهما سيق من اسباب او مسببات فان الحق اولي ان يسود ، والمخطئ اذا اخطا فان العقاب واجب علية دون افتئات او تفريط ، واؤكد ان هذا الخطا لم يقع اصلا لا من المسلمين او الاقباط الذين ارتكبوا نفس الافعال التي عوقب بها اخوانهم المسلمين.
علي المستوي النوعي:ما حدث مع الاقباط في هذه القضية حدث بشكل اقل حدة مع المراة فمن بين 27 متهم كان عدد النساء ست ، تم انتقائهم لتوجيه الاتهام اليهم ، وتلاحظ مثلا استبعاد اكثر من شخصية نسائية لا لشئ الا لكونهم من النساء المتنفذات داخل العمل العام في مصر وما ينطبق علي الاقباط في عدم رغبة الدولة في استنفار جهات معينة مع ابناء عمومتهم ينطبق ايضا علي النساء في هذه القضية ، فقد تم استبعاد بعض من اعضاء التنظيمات النسائية الحكومية منها وغير الحكومية ، بل وصل الامر الي استبعاد شخصية نسائية رفيعة تحمل نفس المهام الوظيفية التي كان يحملها د.سعد الدين ابراهيم بلا أي مبرر قانوني ، وقد فسر هذا الامر علي ان هذه الشخصية كانت من المتنفذات اللاتي يتمتعن بعلاقات طيبة مع شخصيات نسائية رفيعة في الدولة ، بل لم يقتصر الامر علي ذلك فقط ، بل ان هناك بعض الوثائق والتقارير التي قدمتها النيابة للمحكمة كدليل ادانة خلت من أي توقيع من جانب د.سعد بل وحملت توقيعات بعض من النساء العاملات والمتعاملات مع مركز ابن خلدون ، واستبعد هؤلاء علي ان احداهن ذات علاقة قوية مع منظمات نسائية نشيطة مصرية وعربية ودولية ، كما ان الاخري تعمل في احدي المؤسسات الاجنبية ذات الحساسية العالية في مصر . هذا من جهة من جهة اخري فانه رغم قلة عدد النساء اللاتي وجه لهن الاتهامات فانهم قد تبوؤوا مناصب حساسة داخل مركز ابن خلدون فمن بين الستة المديرة المالية لمركز ابن خلدون ، والمديرة الادارية ، ومسئولة الحسابات في هيئة دعم الناخبات ، الا انه من الناحية الفنية والميدانية ، كان الدور الاكبر للرجال فمن بين ال 27 متهم كان هناك فقط ثلاث سيدات يعملن في مجال العمل الميداني وما عدا ذلك فالذكور كانت لهم الغلبة ، ويرجع ذلك الي المشاق المرتبطة بالعمل الميداني والتي تستدعي قوة تحمل لا يقدر عليها غالبا الا الذكور خاصة في المجتمعات الشرقية .
علي المستوي الوظيفي:يقوم نظام العمل في مركز ابن خلدون علي اسلوبين الاول نظام اليوم الكامل(fooltime) او جزء فقط من اليوم او الاسبوع(part time)وبهذين الاسلوبين وجد نوعين من العاملين في مركز ابن خلدون الاول هم العاملين الدائمين فيه والثاني هم المتعاملين معه من الخارج ، وفي مشروع التوعية السياسية خصوصا كان النوعين متواجدين بشكل واضح ، فمن بين ال27 متهم الذين تم توجيه الاتهام اليهم لم يوجد سوي سبع متهمين فقط هم من العاملين الدائمين في مركز ابن خلدون والباقي هم من المتعاملين معه ، وهؤلاء الاخيرين هم بحكم عملهم مع المشروع كاشخاص اتصال (contact person) ليس من الضروري تواجدهم المستمر في الميدان وبالتالي فان معظم هؤلاء كان من المتوقع ان يكون لهم وظائف اخري ، حاصة اذا اضفنا ان بعد العمل الميداني في مصر غير مجدي ماديا ، ويتطلب العمل في وظيفة اخري تعينه علي مطالب الحياة ، وهكذا كان المتعاملين مع مركز ابن خلدون من ارباب المهن الاخري فكان منهم الموظفين العموميين مثل المتهمة السادسه والسابع والثاني عشر عشر والسابع عشر ، ومنهم من يعملون في اعمال حرة مثل المتهم التاسع والثالث عشر والرابع عشر ، ومنهم من يعمل في القطاع الخاص مثل المتهم العاشر والحادي عشر ، ومنهم الطلبه مثل المتهم الخامس عشر و المتهمتين الثامنة عشر والتاسعة عشر ،الا ان الكاتب لا يعتقد انه ليست هذه هي القضية ولكن القضية الاساسية هي في من تم استبعادهم علي اساس وظائفهم فهناك فئة محددة كان هناك حرص علي استبعادها الكامل علي اساس وظائفهم وكانوا في حالتنا هذه فئة الصحفيين والذين بلغ عددهم حوالي الاربعة حيث وباقوالهم هم فاعلين نشطين داخل مركز ابن خلدون وبالتالي فان ذلك ايضا يضع بعض علامات الاستفهام علي المستهدفين في هذه القضية والمستبعدين منها علي اسس ليست بالموضوعية ، ولكنها تتعلق ببعض التوازنات الاجتماعية التي لا تتناسب مع ما يجب ان تذهب اليه قواعد العدل والانصاف .
علي المستوي الجغرافي :تقوم فكرة مشروع التوعية السياسية في مركز ابن خلدون علي تشجيع اكبر عدد ممكن من المواطنين علي المشاركة في العملية الانتخابية ، وفي مشاركتهم هذه فان المشروع يهدف الي اولا ان يكون لهؤلاء المواطنين البطاقات الانتخابية التي تؤهلهم للمشاركة ، وثانيا ان تكون هذه المشاركة مبنية علي اساس موضوعي غير قائم علي الانتماءات العصبية او الجهوية او الدينية ، ومن هذا المنطلق حرصت ادارة مشروع التوعية السياسية علي الانتشار داخل اكبر عدد من المحافظات ، وكذلك كان المتهمين ال27 ، فقد توزعوا علي مدن وقري عديدة ، فقد كان هنال سخصيات اتصال من محافظة القاهرة وهناك ايضا محافظة الجيزة وهي احد اهم المحافظات المصرية وذلك لقربها الشديد من العاصمة القاهرة ، بالاضافة الي محافظات الدقهلية والشرقية والقليوبية والمنوفية والغربية والاسكندرية وقنا واسيوط والسويس ، وقد كان كثافة النشاط مرتبط بعنصرين الاول هو الخبرة التاريخية لمركز ابن خلدون في هذه المناطق ، فعلي سبيل المثال كانت محافظتا الجيزة والدقهلية هما اكثر الاماكن نشاطا وذلك نظرا لوجود مشاريع اخري لمركز ابن خلدون داخل هذه المناطق وبالتالي فان التعاطي مع المشروع كان ايجابيا نظرا لنجاح المشاريع الاخري التي سبقته ، هذا من جهة من جهة اخري فان هناك عوامل اخري كانت اكثر تاثيرا في انتشار المشروع ووجود اكثر من شخصية اتصال داخل هذه المناطق ، مثل وجود العديد من العاملين في المركز بشكل دائم مرتبطين باصولهم الاقليميه وذوي سمعة حسنة داخلها وبالتالي فان ذلك اعطاهم القدرة علي تجنيد بعض الشباب الفاعل الذي استطاع وبحق انجاز ما لم تستطع جهات اخري انجازه في سنوات ، فكذلك كان الحال في قنا(مسقط راس مساعد مدير المشروع) والدقهلية (مسقط راس د. سعد الدين ابراهيم ) والغربية (مسقط راس مدير المشروع) ، اما العامل الاخر فكان مجلس امناء مركز ابن خلدون والذي استطاع في بعض الاحيان مساعدة المشروع في العمل داخل مناطق معينة ترتبط معهم بعلاقات اجتماعية او اسرية ، وكذلك كان الوضع في محافظات الشرقية ، وقنا ، والاسكندرية .
وهكذا كانت الانتماءات الجغرافية والنوعية والدينية والوظيفية والتعليمية للشباب المسكوت عنهم في مركز ابن خلدون ، والذين استطاعوا بجهدهم هذا ان يكونوا محل اشادة من جانب العديد من المنظمات الدولية وخاصة الاتحاد الاوروبي ممول المشروع والذي انعكست اشادته هذه في تمسكه بتاييد ادارة المشروع ومنابعته للقضية رغم ما اثير من جانب جهات التحقيق ضد هؤلاء الشباب ورئيسهم ، واصداره لثلاثة بيانات تؤكد علي ثقته الكاملة في ادارة المشروع وتحقيقه لانجازاته علي مدي ثلاث سنوات هي عمر المشروع منذ بدايته في شهر يوليو 1997 وحتي نهايته علي ايدي سلطات الامن في يونية 2000 .
ان الضربة التي وجهت لهؤلاء الشباب كانت كافية لتحقيق الهدف الذي من اجله قامت القضية ، وهو تحجيم أي نشاط حالي او متوقع من جانب منظمات حقوق الانسان المصرية ، وتحجيم دور مؤسسات المجتمع المدني والتي كان مركز ابن خلدون احد رموزها الفاعلة ، وقد نجح مسعاهم ذلك ، بل ان نظرة قريبة لكيفية التعامل مع هؤلاء الشباب لكافية لتوضيح الصورة اكثر ، فعلي مدي ايام التحقيق كان مصير هؤلاء الشباب هي افتراش الارض ، بل انه من الطريف انه وبعد صدور الحكم الاول من جانب محكمة امن الدولة في شهر مايو 2001 ، اقتيد الشباب الذي صدرت ضدهم احكام يايقاف تنفيذ العقوبة الي اقسام الشرطة واحتجزوا هناك لمدد تتراوح بين اربعة ايام واسبوعين (في حين انه كان من الممكن يتم صرفهم من مبنى المحكمة اسوة بمتهمين اخرين) وتم الكشف عن صحيفتهم الجنائية من خلال اخذ بصمات الايدي والارجل (وهو احد اساليب التحري عن الاشخاص الخطرين رغم ان معظمهم من الشباب الذي ما زالوا في بداية مشوار الحياة العملية) وهكذا تبلور الهدف من القضية في ايام اخيرة قلائل فلم يكن الهدف هو ضبط من يتلقون منذ12 عاما اموالا من دول اجنبية دون ترخيص من الحاكم العسكري ، ولم يكن ايضا الهدف هو محاسبة المركز على ما يكتبه وينشره بالداخل والخارج منذ سنوات عديدة وكانت محل ترحيب من سياسي الدولة قبل مثقفيها ، كما لم يكن الهدف هو الحرص علي اموال الاتحاد الاوروبي والذي يضم 15 دولة من بينهم دولة احتلت مصر لمدة اكثر من سبعين عاما ، وشهدوا جميعا بعدم صحة ما ذهبت اليه سلطات التحقيق في حدوث مخالفات مالية في اموال منحة الاتحاد الاوروبي (وترك اكثر من ثلاثة مليارات جنيه مصري من اموال صغار المودعي المصريين لا نعرف علي أي اساس تم تهريبهم للخارج)،لم يكن ابدا هذا هو الهدف ولن يكون ،لقد كان الهدف ،مع اهداف اخري ليست هي موضوع هذا المقال ، وما يزال هو تقليص دور المجتمع المدني وارهاب العاملين في هذا المجال ، خاصة ان معظمهم من الشباب ،وقد تاثرت بالفعل قطاعات عريضة من الشباب واثروا الابتعاد عن مجال به هذا القدر من المخاطرة ، وفضلوا الانتظار مع المنتظرين في طوابير المتنطعين علي طلبات الوظائف الحكومية ، والتي هي وجه اخر للترهل الذي يعاني منه العديد في بلادنا العربية في الوقت الحالي، لقد كانت الضربة قاسية ولا نعرف هل يستطيع هؤلاء المسكوت عنهم العودة مرة اخري الي ما سبق ورفعوا رايته ، وهو نحو مجتمع مدني مصري فاعل ؟ ام ان الانتكاسة ستمتد لسنوات اخري يتم خلالها توجيه الضربات تلو الضربات الي مؤسسات المجتمع الدني حتي تستكين وتسير مع السائرين في طوابير المهللين والمصفقين لانجازات وهمية توصف دائما بالعملاقة ، هذا هو ما ستجيب عنه السنوات القادمة .


* كاتب المقال
المدير السابق لمشروع التوعية السياسية بمركز ابن خلدون –القاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نرحب بتعليقاتكم لخدمة هدفنا الاسمى في الاصلاح المنشود