الأحد، 24 نوفمبر 2013

العنف السياسي في مصر .........من الثورة إلى الانقلاب

مرت كل الثورات التي حدثت في تاريخ الإنسانية بمراحل طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي،هذه الحالة ظهرت بأشكال متعددة فمنها من أخذ شكل الصراع بين الطبقات الغنية والفقيرة مثل الثورة البلشفية في روسيا،ومنها من اخذ شكل صراع بين النظام السابق والنظام الذي حكم بعد الثورة،ومنها ما اخذ شكل صراع بين علمانيين ودينيين مثل الثورة الايرانية،ومنها ما اخذ صراع بين العسكر والمدنيين كما حدث ويحدث في العديد من الدول الافريقية. إلا انه بقدر سلمية الصراع ،بقدر قدرة الثوار على ادارة المرحلة الانتقالية حتى تثبيت اركان النظام الجديد،ولكن بتحول هذا الصراع إلى اشكال عنيفة، فإن الامر قد يتطور بشكل سلبي قد يصل إلى تهديد كينونة الدولة في حد ذاتها.بسبب تطور هذا العنف احيانا وتحوله إلى حرب اهلية ممتدة،قد تؤدي بين ما تؤدي إلى تفتيت وحدة الدولة ذاتها. من الصراع السلمي إلى العنيف وفي مصر ومنذ ثورة 25 يناير 2012 والبلاد تعيش على فوهة بركان ساخن،ادى إلى حالة مستدامة من عدم الاستقرار على كافة المستويات،فتارة صراع بين العسكر والثوار،،وتارة صراع بين ثوار وفلول،وتارة صراع بين علمانيين واسلاميين.الا انه كان أهم ما يميز كل انواع هذه الصراعات انها كانت صراعات سلمية في معظم الاحيان،وإن تخللها قدر محدود من العنف الذي يذهب ضحيته افراد هنا او هناك،ومع ذلك فقد ظل الأمر في نطاق الصراع المنضبط الذي لم يتطور ليصبح حالة عنف عامة في المجتمع. ولكن باندلاع أحداث 30 يونية وما قبلها بأسابيع،بدأ الصراع ياخذ منحى آخر،فقد زادت حدة العنف،وتحول من عنف ضد مؤسسات الدولة إلى عنف بين جماعات واتجاهات سياسية مختلفة،ووقفت الدولة بمؤسساتها الامنية والعسكرية متفرجة حينا ومشاركة احيانا عدة في هذا العنف الموجه لفصيل سياسي معين وهو في حالتنا هذه جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة،ومن وقف في ذات خندقها من الحركات والاحزاب السياسية الاخرى وانتهى الامر ببيان وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي الذي تلاه في مساء الثالث من يوليو الماضي. إلا أن بعض الحالمين قد اعتقد أن الامر سينتهي عند هذه النقطة ويرضى كل طرف بما قسمه له السيسي واعوانه.ولكن شيئا من ذلك لم يحدث،فهذا النظام الذي نشأ بعد 3 يوليو لجأ إلى استخدام كل اساليب البطش والعنف والاقصاء لكل من ينتمون بشكل مباشر او غبر مباشر للسلطة المنتخبة قبل 3 يوليو،ووصلت ذروة هذا العنف إلى ما عرف بمذبحة ميداني رابعة العدوية والنهضة في محافظتي القاهرة والجيزة وما تلاهما من مذبحة في ميدان رمسيس احد اكبر الميادين في شوارع القاهرة.والتي وصفتها منظمة العفو الدولية بانها اكبر المذابح دموية في تاريخ مصر الحديث، الاستبداد كسبب مباشر للعنف السياسي واستمر مسلسل العنف وامتد إلى بقاع أخرى في المحروسة التي صارت غير محروسة بسبب عودة الأمن لاستخدام سلاح البلطجية والذي كان قد توقف عن استخدامه (بشكل مباشر )منذ قيام ثورة يناير،ودخلت سيناء المشهد بعد طول غياب،ولكن دخولها هذه المرة كان اكثر ضراوة وحدة،فاستخدمت الطائرات العسكرية والمروحيات والدبابات والصورايخ،وكأن حربا قد اندلعت من جديد،وتحول العنف من حالة استثنائية إلى ثقافة عامة داخل المجتمع...لانستثني من ذلك احدا. فالاستبداد الذي خلقته الدولة،أو بمعنى أدق السلطة الانقلابية ، كان سببا مباشرا في خلق حالة العنف في المجتمع،وهي ما دفعت المواطنين إلى الممارسة الفعلية له والذي يمثل العنف السياسي أحد أشكاله فالاستبداد في اي مجتمع يخلق مناخاً مسدوداً ديموقراطياً ولا يكون أمام الناس سوى العنف طريقاً للحصول على حقوقهم.ذلك أن حرمان القوى السياسية من حق التعبير السياسي الشرعي...وحق القوى السياسية في الحصول على حقها في تداول السلطة والمشاركة السياسية كل هذا يمثل مناخاً مواتياً للعنف.هذا بالاضافة للبعد الاقتصادي والذي قد يشكل نقطة الذروة في حالة العنف المتصاعد الآن،والذي يصعب حينها ايقاف تمدده. حيث أن ذلك قد يؤدي إلى القضاء على كل جسور الثقة بين القوى السياسية (انقلابيون/ / أحزاب / منظمات/حركات سياسية/ مجتمع مدني/إعلام ) ويعدم كل فرص الالتقاء بين القوى المتصارعة ويقضي على القواسم مشتركة بين الجانبين،وتوفر هذه الظاهرة روافد جديدة للصراع السياسي والعنف السياسي.قد يصعب ايقافه وعدم تطوره إلى صور اكثر عشوائية ودموية. ثلاث سيناريوهات مستقبلية إن هذه الحالة الكارثية التي يمر بها المجتمع المصري،والتي كانت نتيجة مباشرة للانقلاب العسكري الذي وقع في الثالث من يوليو الماضي،إن لم يتم التعامل معها برؤية وطنية تحتوي الجميع ،فان احتمال اشتعالها اكثر يصبح امرا قاب قوسين أو أدنى. لذلك فإنه وبافتراض استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه،فإن مستقبل الدولة المصرية يصبح أمام ثلاث سيناريوهات : الأول:هو حاله تشبه الحالة الجزائرية،إن لم تكن السورية،وهو تحول المجتمع إلى حالة الكل ضد الكل،مما قد يؤدي إلى تحول العنف العشوائي ،الواقع الأن في الشارع ،إلى عنف منظم خاصة مع توافر مصادر التسليح لكل طرف من أطراف الصراع السياسي الحالي،فالحدود المستباحة من الجهة الليبية أو السودانية أو حتى الاسرائيلية الفلسطينية،بالاضافة إلى الحدود البحرية،قد تسهل عملية تسليح الجماعات السياسية،وهو سيناريو ،إن تحقق، يجعل وحدة الدولة المصرية ذاتها معرضة للخطر للمرة الأولى منذ توحدها عام 3500 قبل الميلاد على يد الملك مينا.وهو سيناريو رغم كارثيته وتناقضه مع الطبيعة المصرية السمحه فإنه يبقى مطروحا ما دام أطراف العملية السياسية مصممين على التناطح غير المنضبط. السيناريو الثاني : يتمثل في حالة من العنف العشوائي ،الناتج عن ثورة جياع،تأكل الأخضر واليابس،وهو سيناريو له ما يبرر طرحه خاصة في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تمر بالمجتمع ،والتي وان استطاعت المسكنات الخليجية تهدئتها، فإنها ابداً لن تستطيع القضاء عليها نهائيا.وهذا السيناريو في حالة تحققه قد يفتح الباب أمام صراع اجتماعي- اقتصادي ممتد بين من يملكون ومن لا يملكون. السيناريو الثالث : وهو إن شئنا تسميته ،فمن الممكن ان نطلق عليه ،السيناريو السوداني، والمتمثل في ظهور ما يعرف بسوار الذهب المصري،داخل المؤسسة العسكرية،يستطيع أن يقود انقلابا داخليا يستبعد على أثره الرموز التي شاركت في الانقلاب العسكري ويبدأ مرحلة جديدة بأجندة سياسية اكثر تسامحا وقبولا لكل أطراف العملية السياسية،وبخارطة طريق واضحة المعالم يستطيع من خلالها خلق مؤسسات منتخبة تعبر عن التوازانات السياسية الحقيقية على الساحة السياسية المصرية،ورغم أن هذا السيناريو لا يوجد ما يؤيده من معلومات،إلا أن استمرار وجود الجيش في الميادين ووقوفه ضد تيار سياسي معين وتورطه في عمليات عنف بهذا الشكل الحاد لأول مرة في تاريخه منذ إنشائه على يد محمد علي،قد يشجع بعض الضباط وخاصة من القيادات الوسطى على تبني هذا السيناريو والذي في رأي الكاتب سيكون أقل السيناريوهات دموية،واستيعابا لكل أطراف العملية السياسية.